الجمعة, نوفمبر 1

وثيقة نادرة بخط سعيد عقل الى صبري الشريف: “حبّبني الإسلام بـ5”

سليمان بختي – النهار

وقعت وثيقة نادرة بين يديَّ وأنا منهمك في التحضير لمقالة عن صبري الشريف (1922-1999) في مئوية ولادته. بعد حديث مطول مع ابنه أرسل إليَّ منجد صبري الشريف أوراقا تتعلق بوالده وإسهاماته ودوره في العمل الإذاعي ومع الأخوين رحباني وفي الفولكلور اللبناني والمشرقي ومهرجانات بعلبك. بين هذه الأوراق وثيقة مكتوبة بخط اليد موقعة بإسم الشاعر #سعيد عقل (1912-2014) وغير مؤرخة.

يقول منجد إن الوثيقة كتبها سعيد عقل في بداية الحرب اللبنانية وأعطاها إلى والده. وكان آنذاك مقيما في فندق ألكسندر في الأشرفية والورقة ممهورة بإسم مؤسسة الفندق. عنوان الورقة “حبّبني الإسلام بـ 5” مكتوبة بالعامية.

“1- أعرف أنو الله مش رب جماعا، رب العالمين.

2- مارس الزكاة؟ يعني أعطي من العطاني ياه الله.

3- ردد كلما إفتكرت بآمي، أجمل شعر عنها نزل بكتاب “الجنة تحت جرين الأمهات”.

4- إنزهل بلبنان كيف البيعرفو بيحبو يدخلو ع الحديث إنو تراب الجني فيه من لبنان، وعرش الله معمول من خشب الأرز اللي بلبنان.

5- إذا نسيت كل شي نقال عن الحب، بكل الدني، ما إنسى كلمة محمد، تنين ماتوا من كترة ما حبو بعضن بيطلعوا دغري عالسما”.

هوذا الشاعر سعيد عقل بشطحاته وغرابته، بشغفه وحماسته وجنونه. أحب صبري الشريف وأحب أن يقول له شيئا جميلا عن الإسلام وثرائه. هو الذي كتب واحدة من أجمل القصائد في الإسلام وهي قصيدة “غنيت مكة” 1966 وغنتها فيروز من ألحان الأخوين رحباني. وعندما طبعت الاسطوانة للمرة الأولى وضع إسما مستعارا هو سناء الرشيد، وفي الطبعة الثانية قال له عاصي كل الناس تعرف إنك مؤلفها ما عدا سناء الرشيد. فوافق على وضع إسمه على الأسطوانة. وفي الوثيقة يظهر حبه للبنان، حلمه الكبير، وأن تراب الجنة فيه من تراب لبنان/ وأن عرش الله مصنوع من خشب الأرز.

في هذه الأيام اليابسة نفتقد من يحلم بلبنان مثل الحالم الشاعر سعيد عقل ولو اختلفنا معه في العديد من المواقف والمنطلقات والآراء السياسية. ولكن من مثله يضع لبنان في أعلى المراتب: “صخرة علقت بالنجم أسكنها/ طارت بها الكتب/ قالت: تلك لبنان”، “أنا حسبي أنني من جبل/ هو بين الله والأرض كلام”. من مثل سعيد عقل يتصل برئيس الجمهورية ويدعوه لأن يمنح صبري الشريف الجنسية اللبنانية لأنه صاحب الفضل على الفولكلور اللبناني ومهرجانات بعلبك. من مثله ينتظر الشاعر ناظم حكمت الشيوعي على رصيف مرفأ بيروت ليدخل الى لبنان ضمان نطاق الحرية. وصفه جهاد الزين في أحد مقالاته بأنه أبو الثقافة اللبنانية. من مثله كتب نشيد “العروة الوثقى” كما جاء في العدد الرابع من مجلتها 1931 “كلفت الهيئة الإدارية الشاعر الرفيق الأستاذ سعيد عقل مهمة وضع نشيد الجمعية، وقد فعل ذلك ووفق الى نظم قصيدة من عيون الشعر تمثل مبدأ العروة كل تمثيل “للنسور… ولنا الملعب/ والجناحان الخضيبان بنور/ العلى والعرب”. ونشيد الحزب السوري القومي الإجتماعي “سوريا فوق الجميع، تزرعينا/ من ذرى طوروس أمجادا الى مقلب سينا/ ومن الأبيض في الغرب الى دجلة شرقا/ أمة أم شعلة ترقى”. وهو الداعي الى فينيقيا والى الحرف اللاتيني. صاحب المسرحيات الشعرية الثلاث “بنت يفتاح” 1935 و”المجدلية” 1937 و”قدموس” 1944 إلى ديوان “رندلى” و”كما الأعمدة”. في كل كتبه أكثر ما تجد الجمال والحب والسمو والفرح. من مثله يعيد للكلمة الشعرية نارها الأولى وينحت في رخام الكلام. من يفري فريه ويريد لبنان وطنا للحقيقة وقدموسه هو لبنانه ويريد لبننة العالم. من يقول له إن اللبننة صارت رمزا للتفتت والتشرذم والفساد والتناحر في العالم. أو حين يسائل الشام “سائليني” 1960: “كأحلى ما يكون الكلام: “سائليني حين عطرت السلام/ كيف غار الورد وإعتل الخزام/ وأنا لو رحت أسترضي الشذا/ لأنثنى لبنان عطرا، يا شام” أو “انا صوتي منك يا بردى/ مثلما ماؤك من سحبي” أو “شام يا ذا السيف لم يغب” أو “امويون ألحقوا الدنيا ببستان هشام”.

في “رندلى” عرف الشعر: “الشعر فيض على الدنيا مشعشة/ كما وراء قميص شعشعت نجم” أو “أجمل ما يؤثر على أرضنا/ أوهامها أنك رزت الوجود”. أو في غزلياته “لوقعك فوق السرير مهيب/ كوقع الهنيهة في المطلق/ كشلال ورد هوى من عل/ فلا نجم في ألافق لم يشهق”.

ذات مرة سأله الموسيقار محمد عبد الوهاب وهو يلحن قصيدته “مر بي” 1968 لتغنيها فيروز ماذا تريد من القصيدة أجابه: “أريد لصوت فيروز أن يأخذني أنى يريد”، فأردف عبد الوهاب: ” هذا تواضع كبير منك. أنا كموسيقار أريد بالكلام أن يأخذني إلى اللحن”.

كان سعيد عقل يريد لبنان وطن الحب والبطولة والمجد والعظمة والنبل. كان يريد عملقة لبنان وأن يرفعه ويعليه على رؤوس الأصابع والاشهاد كأنه مسرى الرجاء الى الإبتسامة الأغنية. نتذكر، وتفجعنا الهوة بين اليوم والأمس ونأسى على ماض تولى.

Follow Us: 

Leave A Reply